المُحاماة في زمن التحول الرقمي .. ما لا يعرفهُ المُحامون عن قوانين الـ GDPR والـ .. GRC
من قلب المحكمة إلى قوانين الإنترنت – المحاماة في زمن التحوّل الرقمي
في زمنٍ باتت فيه البيانات هي المورد الأثمن، والمعلومة هي السلاح الأقوى، لم تعُد مهنة المحاماة حكرًا على ساحات المحاكم، ولا تقتصر على دفاتر القوانين وأروقة الدواوين القضائية.
لقد تسلّل التحوّل الرقمي إلى أدق تفاصيل الممارسة القانونية، وفرض واقعًا جديدًا لا بد أن يتهيّأ له كل من أراد البقاء ضمن مشهد العدالة الحديث.
المحاماة… ما بين الأمس والغد
كان المحامي – ولا يزال – الحارس الأمين للحقوق، والمترافع البليغ عن المظلوم، والمرجع القانوني للمؤسسات والأفراد.
لكن مع الانفجار التكنولوجي، صار من الضروري أن يُجيد المحامي قراءة الأكواد كما يقرأ النصوص، وأن يفهم مصطلحات مثل GDPR وGRC كما يفهم القانون المدني أو الجنائي.
أولاً: الـ GDPR – الحارس الأوروبي للخصوصية
الـ GDPR (اللائحة العامة لحماية البيانات – General Data Protection Regulation) هي تشريع أوروبي دخل حيّز التنفيذ عام 2018، ليشكّل ثورةً في مفهوم خصوصية البيانات.
تنصّ هذه اللائحة على حقوق الأفراد في التحكم ببياناتهم الشخصية، وتُلزم الشركات والمؤسسات باتباع ضوابط صارمة عند جمع وتخزين أو معالجة تلك البيانات.
لماذا يجب على المحامي أن يُتقن الـ GDPR؟
- لأن كثيرًا من الشركات العاملة في مصر والعالم العربي تُدير بيانات لمواطنين أوروبيين، فتخضع بالتالي لهذا القانون.
- لأن مستقبل التقاضي سيتضمن دعاوى تخص تسريب البيانات أو انتهاك الخصوصية، والمحامي الجاهل بأحكام الـ GDPR سيكون خارج اللعبة.
- لأن الشركات العالمية تبحث عن مستشارين قانونيين لديهم فهم عميق لهذا التشريع لتفادي الغرامات المليونية الناتجة عن مخالفته.
ثانيًا: الـ GRC – الحوكمة والمخاطر والامتثال
أما الـ GRC (Governance, Risk, and Compliance) فهي منظومة إدارية وقانونية تهدف إلى تنظيم العلاقة بين المؤسسة والتشريعات المعمول بها، وإدارة المخاطر، وضمان الالتزام الأخلاقي والقانوني في كل خطوة.
أهمية الـ GRC في الممارسة القانونية:
- المحامي الذي يُجيد تحليل المخاطر القانونية في بيئة الأعمال الرقمية يُعد أحد أهم عناصر إدارة الشركات الكبرى.
- فهم نظم الحوكمة يمكن المحامي من صياغة سياسات داخلية متوافقة مع القانون ومتماشية مع أخلاقيات السوق.
- الامتثال (Compliance) ليس فقط قانونًا، بل ثقافة مؤسسية، والمحامي هو من يزرعها ويراقب نضجها.
من المحاكم إلى السيرفرات… ومن القضايا إلى الكيانات الرقمية
لقد تغيّرت الخريطة القانونية. لم تَعُد الجريمة حصرًا في السطو والقتل، بل في سرقة البيانات، والابتزاز الإلكتروني، وتسويد السمعة على المنصات الرقمية.
ولم يَعُد العقد فقط ورقة تُكتب وتُوقَّع، بل أصبح “Terms & Conditions” تحكم ملايين المستخدمين وتخضع لتشريعات دولية معقّدة.
هل ما زلت تعتقد أن القانون منفصل عن التكنولوجيا؟
إن أردت أن تبقى محاميًا في القرن الحادي والعشرين، فلا بد أن تكون على دراية بهذه المسارات الرقمية، أن تفهم كيف يُرتكب الجُرم الرقمي، وما التشريعات التي تنظّمه، وما المعايير الدولية التي تؤطّر سلوك المؤسسات والأفراد في هذا الفضاء المتشابك.
كلمة إلى المحامين وطلبة كليات الحقوق
لا تكتفِ بقراءة القوانين المحلية، بل انفتح على المنظومات القانونية العالمية.
تعلّم الـ GDPR كأنك تتعلم الدستور.
افهم الـ GRC كأنك تؤسس شركة.
واجعل لنفسك مكانًا في السوق الجديد للمحامين الرقميين، قبل أن يُغلق الباب.
وختامًا:
لطالما قلت في محاضراتي ولقاءاتي:
“من لا يُجيد لغة القانون الرقمي، سيتحوّل إلى محامٍ من الماضي… في زمنٍ لم يعُد يُشبه الماضي.”
إن كنت طالب حقوق، أو محاميًا شابًا، أو تسعى للريادة القانونية في زمن التحول الرقمي، فابدأ من هنا، من المعرفة، من الوعي، ومن بناء ذاتك في هذا الطريق الجديد.
كتب- أ/ عمرو العماد