عمرو العماد يكتُب.. ( المُحامي والعَدالة المُستحيلة ! )
في رحلة المحامي نحو تحقيق العدالة، يكمن صراع أبدي بين المثل العليا والواقع المعاش، بين الحلم الذي لا ينفك يلوح في الأفق، وبين حدود القدرة التي يفرضها وجودنا الأرضي.
فالعدالة، في جوهرها، ليست مجرد ميزان يقيس الظلم والحق، بل هي فكرة نقيّة، صعبة المنال، وكأنها نجمة بعيدة لا تلتقطها يد الإنسان مهما امتدت.
المحامي، ذلك الفارس الذي يركب موجات القانون، يقف أمام هذه الحقيقة الكبرى متأملاً:
هل العدالة موجودة حقًا؟
أم أنها حلم سُحق تحت وطأة المصالح، والتحيزات، وتقلبات النفوس؟
في عالم يغشاه الظلام أحيانًا، يصبح دور المحامي معركة مع الذات قبل أن تكون معركة مع الخصوم، معركة للحفاظ على نقاء الروح في خضم معترك الأرض.
هنا يتجلى البون الشاسع بين القانون والعدالة، وبين الحُكم والحق.
فالقانون هو الأداة، والعدالة هي الهدف؛
ولكن ليست كل قوانين تُفضي إلى العدالة، ولا كل أحكام تُجسد الحق.
المحامي الحكيم يدرك أن القانون أحيانًا يعتريه النقص، وأن الحقيقة قد تُحجب وراء أستار الإجراءات والبيروقراطية.
ولكن رغم ذلك، يظل المحامي، بإصراره وموته، تلك الشمعة التي تحترق لتنير دروب الآخرين.
بل هو ذلك الحامل للشعلة في ظلام المعاناة، مؤمنًا بأن جهده لن يذهب سدى، وأن في سعيه – وإن طال الانتظار – تكمن بذور العدالة التي ستثمر يومًا.
العدالة المستحيلة ليست نقيصة، بل هي التحدي الذي يمنح المحامي إنسانيته ووجوده.
هي الرحلة التي تجعل من المحامي أكثر من مجرد ممثل قانوني، بل صانع معنى، وفارس أمل، وصوتًا لمن لا صوت لهم.
وفي النهاية، ربما تكون العدالة المستحيلة هي الكمال الذي نسعى إليه، لا لنصل إليه، بل لنرتقي بأنفسنا في طريق السعي.
فالمحامي، في مواجهته لهذه الحقيقة، يصبح حاملًا لأرقى الصفات: الصبر، والتواضع، والإيمان بأن الحق سيظل دائمًا يستحق النضال، مهما كانت الصعاب.
كتب – عمرو العماد ، مسؤول منصة نقابة محامين غرب طنطا .